الحاجة إلى توحيد مفهوم ”السكن الرئيس” بالقوانين الضريبية

2 أبريل 2021آخر تحديث : الجمعة 2 أبريل 2021 - 7:14 صباحًا
admintest
سلايدرملفات قانونية
الحاجة إلى توحيد مفهوم ”السكن الرئيس” بالقوانين الضريبية

بقلم: المختار السريدي*

لازالت النصوص القانونية الجبائية ومعها دوريات ومذكرات المصالح الضريبية ، لم تستقر بعد على مفهوم واحد وموحد لما يسمى جبائيا ” السكن الرئيس Habitation principale ”، فتارة تعرفه بأنه السكن الرئيس الشخصي Habitation principale personnelle الذي يشغله مالكه فقط دون غيره ، وتارة تعرفه بأنه السكن الرئيس الذي يشغله مالكه أو زوجه أو أصوله أو فروعه من عمود النسب المباشر من الدرجة الأولى ، أو السكن الرئيس الذي يشغله الملاك على الشياع بالنسبة للعقار المشترك بينهم ، أوالسكن الرئيس الوحيد الذي يملكه المواطنون المغاربة المقيمون بالخارج والذي يحتفظون به كسكن رئيس لهم بالمغرب والذي قد يشغله مجانا أزواجهم أو أصولهم أو فروعهم من عمود النسب المباشر من الدرجة الأولى .
هذا الإختلاف في تعريف السكن الرئيس من نص قانوني إلى آخر ومن مصلحة ضريبية إلى أخرى وحتى داخل المصلحة الواحدة من مفتش ضرائب إلى آخر ، هو الذي دفعنا دفعا إلى الخوض والغوص في هذا الموضوع وتناوله سواء من خلال المدونة العامة للضرائب أو من خلال مدونة جبايات الجماعات الترابية أو من خلال المذكرات والدوريات الإدارية ذات الصلة .

أولا : مفهوم السكن الرئيس من خلال المدونة العامة للضرائب

بالإطلاع على نصوص ومواد المدونة العامة للضرائب نجدها تارة تستعمل مصطلح ” السكنى الرئيسية ” وتارة تستعمل مصطلح ” السكنى الشخصية ” ، وكلاهما له نفس المعنى ونفس المدلول ونفس الغاية رغم الإختلاف في المصطلحات والمسميات ، وقد يؤديان في حالة توفرهما إلى الإعفاء من الضريبة لأسباب اجتماعية صرفة بالدرجة الأولى .
فعلى صعيد الضريبة على الدخل جاء في المادة 63 -II – ب من المدونة العامة للضرائب ما يلي :
” يعفى من الضريبة :
II – باء – … الربح المحصل عليه من تفويت عقار أو جزء من عقار يشغله على وجه سكنى رئيسية منذ ست (6) سنوات على الأقل في تاريخ التفويت المذكور ، مالكه أو أعضاء الشركات ذات الغرض العقاري المعتبرة ضريبيا شفافة وفقا لما ورد في الماد 3-3 أعلاه …
دال – الربح المحصل عليه بمناسبة تفويت السكن الإجتماعي كما هو منصوص عليه في المادة 92 – 1 – 28 أدناه ، والذي يشغله مالكه على وجه سكنى رئيسية منذ أربع (4) سنوات على الأقل في تاريخ التفويت المذكور،على أن تراعى في ذلك أحكام المادة 30-2 أعلاه .
ويمنح هذا الإعفاء وفق الشروط المنصوص عليها في ” باء” أعلاه . ”
هذه المقتضيات تبين بكل وضوح ، أنه لكي يستفيد مالك العقار أو مالك المسكن من الإعفاء من الضريبة على الدخل المترتبة على الأرباح العقارية ،بسبب تخصيصه للسكنى الرئيسة، لابد وأن يستجيب للشروط التالية :
أن يكون العقار مشغولا على سبيل السكنى الرئيسة من طرف مالكه أو أعضاء الشركات ذات الغرض العقاري المعتبرة جبائيا شفافة ، مدة تعادل أو تفوق ستة (6) سنوات متتالية على الأقل في تاريخ التفويت.
أن يكون العقار مشغولا على سبيل السكنى الرئيسة من طرف مكتريه الذي اقتناه في إطارعقد ” إجارة منتهية بالتمليك “، مدة تعادل أو تفوق ستة (6) سنوات متتالية على الأقل في تاريخ التفويت.
أن يكون العقار مشغولا من طرف مالكه على وجه سكنى رئيسة مدة تعادل أو تفوق أربع (4) سنوات متتابعة على الأقل في تاريخ التفويت، إذا تعلق الأمر بتفويت سكن اجتماعي تتراوح مساحته المغطاة ما بين 50 و 80 م2 ولا يتعدى ثمن تفويته 250.000,00 درهم ، دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة ، تمشيا مع أحكام المادتين 92 و93 من المدونة العامة للضرائب.
يعتبر جزءا لا يتجزأ من السكنى الرئيسة ، الأرض التي تم تشييد البناية عليها وكذا الساحات والملحقات والحدائق المتصلة بها أو التابعة لها مباشرة ، وذلك في حدود خمس (5) مرات المساحة المبنية المغطاة .
تلك إذن هي الشروط القانونية الأربعة التي لا مناص منها ، والتي بدونها لا يمكن لمالك المسكن الذي وقع تفويته أو لأعضاء الشركات العقارية الشفافة ، أن يستفيدوا من الإعفاء من أداء الضريبة على الدخل المترتبة على الأرباح العقارية بسبب السكنى الرئيسة .
أما على صعيد الضريبة على القيمة المضافة ، فإن المادة 92 من المدونة العامة للضرائب تكلمت في فقرتها الأولى – 28 عن السكن الرئيسي المعفى من الضريبة ولم تحدد معناه ، كما أن المادة 93 في فقرتها الأولى تحدثت كذلك عن شروط إعفاء السكن الإجتماعي من الضريبة ومن بينها تخصيصه للسكنى الرئيسية دون أن تحدد مفهومه .
أما المادة274 المحدثة للمساهمة الإجتماعية للتضامن المتعلقة ب ” ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى معد للسكن الشخصي ” والمطبقة على العمليات التالية :
– عمليات البناء التي يقوم بها ذاتيون لمباني معدة خصيصا لسكناهم الشخصية .
– عمليات البناء التي تقوم بها الشركات المدنية العقارية التي يؤسسها أفراد الأسرة الواحدة من أجل بناء وحدة سكنية مخصصة لسكناهم الشخصية .
– عمليات البناء التي تنجزها التعاونيات السكنية المؤسسة والمزاولة عملها وفق التشريع الجاري به العمل ، لوحدات سكنية معدة للسكن الشخصي لفائدة المنخرطين فيها .
– عمليات البناء التي تنجزها الجمعيات المؤسسة والمزاولة لعملها وفق التشريع الجاري به العمل ، لوحدات سكنية معدة للسكن الشخصي لأعضائها .
لم تتحدث عن ” السكن الرئيس ” وإنما تحدثت عن ” السكن الشخصي أو السكنى الشخصية ” فقط وتركت الأمور مبهمة وغير واضحة ، وهذا ما تنبهت له المديرية العامة للضرائب وسارعت إلى سد تلك الثغرة من خلال ما جاء في المذكرة التفسيرية الصادرة عنها تحت عدد 721 والمتعلقة بالمقتضيات الجبائية لقانون المالية رقم 12-115 للسنة المالية 2013 ، وعرفت ” السكن الشخصي ” بأنه المحل المبني أو المشيد المعد من طرف مالكه سواء :
– للسكنى الرئيسية Habitation principale .
– أو للسكنى الثانوية Habitation secondaire .
– أو للسكنى التي يشغلها أصوله أو فروعه Habitation des ascendants et/ou descendants .
ليكون بذلك السكن الشخصي أوسع نطاقا من السكن الرئيس لأنه يشمل السكن الرئيس والسكن الثانوي والسكن الموضوع رهن إشارة الأصول أو الفروع . فالسكن الرئيس من خلال المدونة العامة للضرائب يرتبط ارتباطا وثيقا بالمالك صاحب حق الملكية وبالمكتري المقتني لمسكنه في إطار عقد الإجارة المنتهية بالتمليك ، ولا يمتد إلى غيرهما من الأزواج أو الأصول أو الفروع ، لأن المشرع الضريبي قد سكت عن ذلك ولو أراد ذلك لنص عليها صراحة ، رغم أن المذكرة التفسيرية الصادرة عن المديرية العامة للضرائب أدخلت السكنى التي يشغلها الفروع والأصول ضمن السكن الشخصي شأنها شأن السكنى الثانوية والسكنى الرئيسية .
ولكن بالرجوع إلى مدونة جبايات الجماعات الترابية نجدها قد توسعت في مفهوم السكن الرئيس ليشمل بالإضافة إلى مالكي المسكن الأزواج والأصول والفروع والمالكين على الشياع والمالكين المقيمين بالخارج ، وهذا ما سنحاول تفصيله في الفقرة الثانية الموالية .

ثانيا : مفهوم السكن الرئيس من خلال مدونة جبايات الجماعات الترابية

جاء في المادة 24 من مدونة جبايات الجماعات الترابية ما يلي :
” يطبق إسقاط بنسبة 75 % من القيمة الإيجارية للسكن الرئيسي لكل ملزم مالكا أو منتفعا .
ويطبق كذلك هذا الإسقاط على القيمة الإيجارية للعقار الذي يستغل كسكن رئيسي من طرف :
الزوج أو الأصول أو الفروع من عمود النسب المباشر من الدرجة الأولى .
أعضاء الشركات العقارية المحددة في المادة الثالثة -3 من المدونة العامة للضرائب .
الملاك على الشياع بالنسبة للعقار الذي يشغلونه كسكن رئيسي .
المغاربة المقيمين بالخارج بالنسبة للسكن الذي يحتفظون به كسكن رئيسي لهم بالمغرب والذي يشغله مجانا أزواجهم أو أصولهم أو فروعهم من عمود النسب المباشر من الدرجة الأولى ”.
فهذه المقتضيات القانونية تؤكد بشكل لا لبس فيه ، أنه لكي يستفيذ الخاضع لرسم السكن ورسم الخدمات الجماعية ، من الإسقاط الضريبي بسبب السكنى الرئيسة ، أن تتوفر في العقار الذي يملكه أو ينتفع به الشروط التالية :
أن يكون العقار مشغولا على سبيل السكنى الرئيسة من طرف مالكه أو المنتفع به ، أو من طرف زوجه أو أصوله أو فروعه من عمود النسب المباشر من الدرجة الأولى ، ويقصد بالزوج زوج الخاضعة للرسم وزوجات الخاضع للرسم في حدود الأربعة بالنسبة للمسلمين ، ويقصد بالأصول والفروع من عمود النسب المباشر من الدرجة الأولى الآباء والأمهات والأبناء والبنات دون غيرهم من الأجداد مهما علوا والحفدة مهما نزلوا .
أن يكون العقار مشغولا بالفعل من طرف مالكيه على الشياع على وجه السكنى الرئيسة ، حيث يفرض الرسم في هذه الحالة في إسم جميع المالكين على الشيوع ، كأن يفرض في إسم ” ورثة زيد ” أو في إسم ” زيد ومن معه ” مثلا ، لأنه يصعب إدراج جميع الأسماء في حالة التعدد أو الكثرة .
أن يكون العقار معدا للسكنى الرئيسة للمغاربة المقيمين بالخارج أثناء عودتهم إلى المغرب ، أو للسكنى الرئيسة لأزواجهم أو أصولهم أو فروعهم من عمود النسب المباشر من الدرجة الأولى ، وهو نفسه الإمتياز الممنوح للمقيمين داخل التراب الوطني كما سلف القول .
أن يكون العقار مشغولا على سبيل السكنى الرئيسة من طرف أعضاء الشركات العقارية المسماة ” شفافة ” والمحددة في الفقرة الثالثة من المادة 3 من المدونة العامة للضرائب .
تمديد نطاق الإسقاط من الرسمين المذكورين ليشمل الأرض التي تم تشييد البنايات السكنية عليها وكذا الساحات والممرات والملحقات والحدائق المتصلة بها أو التابعة لها مباشرة ، وذلك في حدود خمس (5) مرات المساحة المبنية المغطاة لمجموع المباني .
فهذه الشروط القانونية الخمسة تبقى ضرورية ولا يمكن الإلتفاف عليها ، والتي بدون توفرها لا يمكن للخاضع أن يستفيد من الإسقاط من الرسم المفروض بسبب السكنى الرئيسة.
وعلى الرغم من أن المادة 24 من مدونة جبايات الجماعات الترابية قد حسمت الأمر وأعطت تعريفا دقيقا ومحكما لمفهوم السكن الرئيس ، إلا أن مفتشي الإدارة الضريبية قد ذهبوا مذاهب شتى في التعامل مع هذه المادة ، منهم من تشبت بحرفيته ومنهم من توسع في فهمه وأطلق العنان لإجتهاداته وتأويلاته ، وهذا ما أدى إلى بروز بعض التباينات في مبالغ الرسوم التي تم إصدارها ، في وقت لا زالت فيه الإدارة تمضي قدما في إصلاح المنظومة الجبائية وإصلاح العلاقة مع المتعاملين معها على أساس من الثقة والشفافية والمساواة أمام القانون .
وهنا لابد من الإشارة إلى موقف يتيم صادر عن المدير العام للضرائب بالرباط سنة 2019 بشأن نازلة توصل بها من المديرية الإقليمية للضرائب بعين الشق بالدار البيضاء ، حول مدى أحقية استفاذة مالكة لعقار معد للسكنى من الإسقاط بنسبة 75 % من القيمة الإيجارية ، حيث جاء فيه بأنه تعتبر سكنى رئيسية من أجل تطبيق المادة 24 من القانون رقم 47/06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية إذا كان المالك يتوفر على سكنى وحيدة بالمغرب سواء كان يقطنها بشكل دائم أو غير دائم ولو كانت مغلقة في أكثر الأحيان بشرط ألا تكون معدة للإيجار .
وقد كان من الأفضل ودرءا لكل اختلاف في الرؤى ما بين مفتشي الضرائب أنفسهم أن تتولى المديرية العامة للضرائب التابعة لوزارة الإقتصاد والمالية ، إصدار مذكرة تفسيرية أوعلى الأقل مذكرة مصلحية وبتنسيق مع المديرية العامة للجماعات الترابية التابعة لوزارة الداخلية ، تعطي فيها تفسيرا واضحا وموسعا لمفهوم السكن الرئيس و جردا للحالات المشابهة والمماثلة مع تحديد للأوراق والوثائق التي يجب الإدلاء بها لمفتش الضرائب ، من أجل الاستفادة من الإعفاء سواء من الضريبة على الدخل بسبب شغل العقار على سبيل السكنى الرئيسة أو من الإسقاط الجزئي من رسمي السكن والخذمات الجماعية بسبب تخصيص العقار للسكنى الرئيسة ، بعيدا عن اجتهادات مفتشي الضرائب التي قد تخطئ وقد تصيب وقد تفتح الباب مشرعا أمام تأويلات وتفسيرات تتلون بتلون الأماكن والأشخاص ولا قبل للمرتفقين بها .
ويبقى تدخل المشرع الضريبي خير الحلول من أجل وضع تعريف واحد وموحد لمفهوم السكن الرئيس يشمل المدونة العامة للضرائب ومدونة جبايات الجماعات الترابية في آن واحد ، مع توحيد المصطلحات والأسماء والمسميات ، حتى لايتخد البعض ذلك ذريعة أو مطية قصد الإفلات من أداء الضريبة .
أما عن موقف القضاء في هذا الشأن فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط تحت رقم 3167 بتاريخ 08 أكتوبر 2013 في الملف عدد 316/7/2012 ما يلي :
” وحيث أن البث في النازلة يتوقف على تحديد مفهوم السكن الرئيسي ومدى تأثيرواقعة تعدد الزوجات عليه ، أي بحث نطاق العلاقة والتكامل بين القانون الضريبي ومدونة الأسرة . وحيث أن السكن الرئيسي لا يثبت فقط من خلال العنوان الوارد ببطاقة التعريف الوطنية باعتبارها ورقة رسمية للهوية الشخصية … لأن السكن هو واقعة مادية مستمرة في الزمان والمكان تدل على الوجود المادي والقانوني بعنوان و بمقر معين وتدل عليه قيام الزوجية أو سبب العلاقة الأسرية المنصهرة فيه أي نطاق الإرتباط القانوني بالمقر … وحيث أن ثبوت كون العقار موضوع الفرض الضريبي كان بيتا للزوجية مخصص للزوجة الثانية وأولاده منها حسب الثابت من وثائق الملف وخاصة بطائق تعريف أبناءه التي تحمل هذا العنوان إضافة لعقود اشتراك الهاتف فضلا عن الشهادة الإدارية الشيء الذي يجعله سكنا رئيسيا بمفهوم مدونة الأسرة لأن الزوج ملزم قانونا وشرعا بتوفير سكن خاص ومستقل للزوجة انفردت أو تعددت لأنه عنوان المساكنة الشرعية …وحيث أن تعلق مقتضيات مدونة الأسرة الواجبة التطبيق بالنظام العام يجعلها مقدمة على ما عداها من النصوص الأخرى ، باعتبارها مقتضيات خاصة في المجال المدني تقدم على النص العام الضريبي ، لكونها نصوص تتعلق بالخلية الأولى للمجتمع وهي خلية الأسرة المكرس حمايتها دستوريا ودوليا … وأمام ثبوت أن العقار موضوع التوجيب الضريبي كان سكنا رئيسيا للمدعي فإن الضريبة موضوع الطعن تبقى غير مؤسسة لإفتقادها لركن الشرعية ومخالفتها لقواعد النظام العام وواجبة الإلغاء بذاتها لغياب محلها .”
انتهى.
* إطار ضريبي

الاخبار العاجلة