حملة “مول الجيلي صفر” .. “الكارديانات” في قلب العاصفة

1 يونيو 2021آخر تحديث : الثلاثاء 1 يونيو 2021 - 12:05 مساءً
admintest
كتاب وآراء
حملة “مول الجيلي صفر” .. “الكارديانات” في قلب العاصفة

– بقلم : عزيز لعويسي

لازالت الحملة الفيسبوكية مستمرة ضد “الكرديانات” أو حراس السيارات والدراجات، تنديدا بما يصدر عن بـعضهـم من ممارسات غير لائقة تكاد لا تخلو من مشاهد المشادات والتوتر والنزاع والابتـزاز، وهذه الحملة الافتراضية يصعب فهم الظروف التي تحكمت فيها، دون استحضار واقع الحال، بعدما باتت جل الشوارع والطرقات بما فيها الشواطئ، محتلة بدون أي سند قانوني من قبل الحراس أو “موالين الجيليات” كما يحلو للبعض تسميتهم، إلى درجة أن ركن السيارة من أجل شرب فنجان قهوة أو قضاء غرض إداري أو اقتناء أغراض شخصية من محل تجاري أو شراء خبـز من مخبزة أو تسـديد فاتورة ماء وكهرباء، أو حتى الرد على مكالمة هاتفية، يلزم تسديد عمولة للحارس أثناء مغـادرة المكـان، ولا أبلغ من صورة بعـض المتشردين والمتسكعين الذين يعيشون على التشرد والتسكع بين الطرقات والشـوارع، وكل جمعة يرتـدون “الجيليات”، وينتشرون بين جنبات المساجد ليس من أجل أداء الصلاة، ولكن لتقمص دور الحراس، لعل وعسى يظفرون ببعض الدراهم، التي تيسـر لهم سبل اقتنـاء بعض المواد المخدرة، مستغلين ما يعيشه القطاع من عبث وتسيب.

هذه الظاهرة الاجتماعية الآخذة في التنامي والانتشار كالفطريات، قد يفسرها البعض بما يعيشه المجتمع من مشاهد العبث والتهور والفوضى، من احتلال للملك العام وبيع بالتجوال وتسول وتشـرد ونفايـات وغيرها، وقد يفسـرها البعض الآخر بتهاون بعض الأجهـزة أو المصالح في القيـام بمهامها فيما يتعلق بحماية الشارع العـام من جميع الممارسات والظواهر المشينة المخالفة للقانون باعتباره ملكا مشتركا، وقد يفسـرها البعض الثالـث بسهولـة الوصول إلى مهنـة الحراسة والتي لا تتطلب سـوى “جيلي” وما يكفـي من “الجبهة” و”التسنطيحة” و “تخـراج العينيـن”، وقد يـرى فيها البعــض الرابــع مـرآة لبعض الأشخاص المتهاونيـن والكسـالى خاصة من ذوي السوابق العدلية، الذين تغيب عنهم الجاهـزية والدافعيـة والمبادرة، مما يجعلهم يقبلـون على عمل يدر عليهم مدخـولا ماديا بأقل جهـد ممكـن، بينما البعض الخــامس، قـد يربطها بالظروف الاجتماعية الصعبة وبصعـوبات العيـش وقلـة فرص الشغـل.

لكن وبقدر ما نتفق مع هذه التفسيـرات بدرجات ومستويات مختلفـة، بقـدر ما نـرى أن الظاهرة بـاتت مقلقـة، تقــوي الإحساس بانعـدام النظـام وشيوع ثقـافـة الفوضى والعشوائيــة والترامـي على الملك العمومي، وتعمـق من بـؤرة الأزمات التي تتخبـط فيها الكثيـر من المجالات الحضرية والقرويــة، وتقـوي أحاسيـس القلق والرفض والاستنكـار، لما يمكن أن تحملـه من ابــتــزار يــومـي لمستعملي الطريـق من سائقي السيارات والشاحنات والدراجات الناريـة.

ومقابل ذلك، قد يحتـج البعض على هذه الحملة الفيسبوكية، بمبــرر أن من يقفون وراءها، يحرمون حـراسـا فقــراء مستضعفيـن، من لقمـة عيش، ربما ترتبط بهم أسـرا وعائلات، وقد يحتـج البعض الآخر، بدعــوى أن الحملـة المسعورة، حاملة لمفردات الأنانيـة والإقصــاء، فاقـدة للحس الإنساني وما يفرضه من تضامـن وتعـاون وتمـاسك اجتماعي ومن مـؤازة للفقراء والمستضعفيـن، استحضـارا لصعوبات العيــش وارتفــاع نسب البطالـة، وخاصة ونحـن نعيش في ظل جائحـة وبائيـة، أثـرت على الكثيـر من الأنشطة المهنية والحرفية التي تدخل في خانة “القطاع غير المهيكل”، وقد يـرى فيها بعض الحراس نوعا من الظلم والاحتقـار والعنصرية، بدعـوى أنهم يمارسـون شغلا في إطار من الكرامة، بدل التسول أو الارتماء في أحضان الجريمة، وأن الحملة حسب تصورهم، ينبغي أن تستهدف الفاسدين السياسيين وناهبي المال العام وغيرهم.

في جميع الحالات، فلايمكن أن نكون إلا متضامين مع الحراس لاعتبارات إنسانية واجتماعية، طالما أن الأمر يتعلق بفرص شغل توفر دخلا ماديا رغم تواضعه، يقي شبح البطالة ويساعد على توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش، أخذا بعين الاعتبار صعوبات الولوج إلى سـوق الشغل وارتفاع الأسعار وصعوبات العيش، لكن في ذات الآن، نحن ضد العبث والفوضى والتسيب وخرق القانون، فما تعرفه مجموعة من الشوارع والطرقات والأحياء من ترامي على الملك العام سواء من طرف الحراس الطفيليين على القطاع، أو من طرف باعة الرصيف، هو أمر لايمكن القبول بــه مهما كانت المبررات أو الأسباب، لأن مغرب الغد أو مغرب النموذج التنموي، لايمكن بناؤه إلا بالنظام والالتـزام واحترام سلطة القانون، بعيدا عن المصالح الضيقة والأنانية المفرطة.

وإذا كانت البوصلة موجهة بأكملها نحو حراس السيارات والدراجات، فنرى أن هذه البوصلة يفترض أن توجه أولا نحو المصالح والأجهزة المكلفة بتدبير الشأن المحلي، ونخص بالذكر الجماعات الترابية وما يرتبط بها من شرطة إداريــة، وعي مدعوة إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والتدبيرية في حماية الشارع العام كملك مشترك، وتطهيره من كل مشاهد الاحتلال غير المشروع، لما لذلك من تكريس لثقافة الفوضى والتسيب والعبث، ومن تعميق لأزمات المدن والأرياف، تحت طائلة المساءلة الإداريـة والقانونية، وفي هذا الصدد، نشدد على أن عملية الترخيص المرتبطة بالأماكن المخصصة كمواقف للسيارات والمندرجة في الملك الجماعي العمومي، لابد أن تخضع للمساطر القانونية المرتبطة بالصفقات العمومية في إطار من النزاهة والشفافية والمصداقية، بعيدا عن ممارسات الزبونية والعلاقات العامة والخاصة، والجهة التي تستقر عليها الصفقة، مطالبة بالتقيد بما عليها من التزامات وفق ما هو مضن بدفتر التحملات، بما يضمن اشتغالها في إطار القانون (الاعتماد على اللباس الموحد، منح تذاكر مضمنة ببيانات خاصة بالشركة المرخص لها وتسعيرة الوقوف، إشهار الأثمنة عبر علامات خاصة، تزويـد كل حارس ببادج يحمل صورته ورقم بطاقته الوطنية أو رقم تسلسلي عند الاقتضاء واسم الشركة المشغلة … )، كما أن الجماعات الترابية مطالبة بوضع آليات للشكايات تيسر للسائقين، عملية “التبليغ الفـوري” على بعض الممارسات غير اللائقة التي قد تصدر عن بعض الحراس، ومن باب الشفافية والمصداقية، فهي مطالبة أيضا، بتحديد المواقف القانونية الخاضعة للحراسة والمواقف المجانية من خلال تثبيت علامات توضح ذلك، حتى يتم قطـع الطريق على “الحراس الطفيليين” الذين يفرضون سلطتهم على الكثير من الشوارع والطرقات بقوة الواقــع، والأجهزة المكلفة بالرقابة، لابد وأن تتحمل مسؤولياتها في تتبع مدى التقيد بالالتزامات الواردة في دفاتر التحملات، مع اتخاذ الإجراءات الضروريـة في حالة المخالفات، والتصدي الحازم لكل حارس متطفل على القطـاع.

هي إذن، مسؤولية مشتركة تتحملها الجماعات الترابية والشرطة الإدارية التي يفترض أن تنظم القطاع وتخضعه لسلطة الرقابة، والشركات المرخصة لها، التي يجب أن تلتزم بشروط دفاتر التحملات تحت طائلة الخضوع لسلطة القانون، والحراس، الذين يجب عليهم أن يتحلوا بما يلزم من قيم المواطنة وما يرتبط بها من انضباط والتزام ومسؤولية واحترام للقانون واستحضار تام للمصلحة العامة، من منطلق أن أي ترامي على الشارع العام بدون موجب حق، لن يكون إلا تكريسا لثقافـة الفوضى المجتمعية بكل مستوياتها وامتداداتها، وعموما إذا خصصنا المقال لحراس السيارات، فما هم إلا حلقة ضعيفة من حلقات مسلسل طويل من العبث والتهور والأنانية والانحطاط وانتهاك القانون، ومن يجلس في المكاتب المكيفة، لابد له أن يخـرج إلى الميدان لمعاينة الحقيقة الضائعـة، فيكفي استحضار ما تعيشه الكثير من المدن على امتداد التراب الوطني، من مشاهد البؤس واللخبطة والعبث والفوضى، والتي تحضر تفاصيلها في الحالة المزرية للشوارع والطرقات والتدهور البيئي وانتشار كاسح للباعة المتجولين وباعة الرصيف والتسول والانحراف والأحياء الهامشية ومدن الصفيــح، يكفي استحضار كل هذه المشاهد وغيرها، لندرك أننا أمام جائحة ربما أخطر وأفتك من جائحة كورونا، عنوانها العريض “الفوضى”، وبما أننا على عتبة “النموذج التنموي الجديد”، فلا يمكن إلا أن نؤكـد أن “مغرب الغد”، لن يستقيم حاله، إلا بثقافة النظـام والالتزام والمصلحة العامة واحترام القانون و”ربط المسؤولية بالمحاسبة” ومحاربة كل ممارسات الفساد والترامي على المال العام … على أمل أن توجه “المدفعية الافتراضية” هذه المرة، نحو “العبث السياسي والحزبي” و”نهب المال العام” و”التدبير السيء للشأن المحلي” … ، وغير ذلك من الجوائح التي تنخر جسد المجتمع “في صمت” …

ونختم بالقول، أننا نتضامن مع جميع الحراس “المرخصين” الذين يكافحون من أجل لقمة العيـش في إطار القانون، ولن نتردد في مهاجمة كل “المتطفلين”على القطاع، وفي معاتبـة كل المسؤولين الذين حولوا ويحولون المدن والأرياف، إلى مجالات “بدون حياة”، بترددهم أو تقاعسهم أو عدم اكتراثهم أو بتدبيرهم العشوائي، لذلك آن الأوان لإشهار سيـف “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، لفرض النظام وإعادة الاعتبـار لسلطة القانون، واسترجاع المواطن حقه في مجالات نظيفة وأنيقــة وجذابــة، تليـق بمغرب “النموذج التنموي” … وبالمناسبة ومن باب التحفيز، نقترح خلق “جائزة المدن النظيفة ” أو “المدن الخضراء” تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، تمنح للمدن المميزة على الصعيد الوطني، لعل وعسى تتحرك في المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي، مشاعـر المواطنة وحب الانتماء إلى الوطن .. لك الله يا وطـن …

الاخبار العاجلة